سهيل بن عمرو
هو سهيل بن عمرو بن عبد شمس، من عمالقة الصيد في الجاهلية، ومن أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين في صدر الإسلام، حارب الإسلام بيده ولسانه، ووقف في كثير من المواقف صلباً متشدداً لا يلين.
نشأ بجوار الكعبة ينحر بيده الذبائح لأصنامها ويستقبل الحجيج إليها وهم يأتون زرافات ووحدانا.
وسهيل هذا عرفه التاريخ عندما وقف مع أهل قريش يستمعون إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وهو ينادي عليهم أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم؟ أكنتم مصدقيّ؟
قالوا: نعم.
قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
عندها جلس سهيل مع شيوخ قريش يتشاورون في أمر محمد، الذي جاء بدين جديد لا يعرفه الآباء ولا الأجداد.
وعندما فشلت الحرب الباردة وقررت قريش أن تعلن الحرب على محمد وصحبه، كان سهيل بن عمرو في طليعة الداعين إليها والمستنفرين لرجالها والمشاركين في أتونها في غزوة بدر، ويسأل الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما علم بخروج قريش لحربه من فيهم من أشراف قريش؟. قالوا: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، والحرث بن عامر، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وسهيل بن عمرو، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وعمر بن عبد ود.
فأقبل الرسول (صلى الله عليه وسلم) على أصحابه وقال: “هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ أكبادها”.
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أشيروا عليّ أيها الناس.. فقال له سعد بن معاذ: لكأنك تريدنا يا رسول الله؟
قال: أجل.
قال: قد آمنا بك وصدقناك، وأعطيناك عهودنا فامض يا رسول الله لما أمرت به، فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك، وما نكره أن تكون تلقى العدو بنا غداً إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما قرّ به عينك فسر بنا على بركة الله.
فسار الرسول (صلى الله عليه وسلم) والتقى الجمعان وتساقط القتلى من قريش ووقع الكثير من الأسرى ومنهم سهيل بن عمرو أسره مالك بن الدخشم الأنصاري.
عندما وقع أسيراً بأيدي المسلمين في “غزوة بدر” اقترب “عمر بن الخطاب” من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال: “يا رسول الله.. دعني أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو حتى لا يقوم عليك خطيباً بعد اليوم”..
فأجابه الرسول العظيم: “كلا يا عمر.. لا أمثل بأحد، فيمثل الله بي، وإن كنت نبياً”!
ثم أدنى عمر منه، وقال (صلى الله عليه وسلم): “يا عمر.. لعل سهيلاً يقف غداً موقفاً يسرك”!
إسلامه
ودارت نبوءة الرسول.. وتحول أعظم خطباء قريش “سهيل بن عمرو” إلى خطيب باهر من خطباء الإسلام..
وتحول واحد من كبار زعماء قريش وقادة جيوشها، إلى مقاتل صلب في سبيل الإسلام.. مقاتل عاهد نفسه أن يظل في رباط وجهاد حتى يدركه الموت على ذلك، عسى الله أن يغفر ما تقدم من ذنبه..
فمن كان ذلك المشرك العنيد، والمؤمن التقي الشهيد؟
إنه “سهيل بن عمرو”..
وعندما عاد الإسلام كله، تخفق في جو السماء راياته الظافرة.. وفتحت مكة جميع أبوابها.. ووقف المشركون في ذهول..
ترى ماذا سيكون اليوم مصيرهم، وهم الذين أعملوا بأسهم في المسلمين من قبل قتلاً، وحرقاً، وتعذيباً، وتجويعاً..؟!
ولم يشأ الرسول الرحيم أن يتركهم طويلاً تحت وطأة هذه المشاعر المذلة المنهكة، فاستقبل وجوههم في تسامح وأناة، وقال لهم ونبرات صوته الرحيم تقطر حناناً، ورفقاً:
“يا معشر قريش.. ما تظنون أني فاعل بكم”..؟
هنالك تقدم خصم الإسلام بالأمس “سهيل بن عمرو” وقال مجيباً: “نظن خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم”.
وتألقت ابتسامة من نور على شفتي حبيب الله وناداهم:
“اذهبوا.. فأنتم الطلقاء”..!
لم تكن هذه الكلمات من الرسول المنتصر لتدع إنساناً حي المشاعر إلا أحالته ذوباً من طاعة وخجل، بل وندم..
وفي نفس اللحظة استجاش هذا الموقف الممتلئ نبلاً وعظمة، كل مشاعر “سهيل بن عمرو” فأسلم لله رب العالمين.
محاربة الردة
وتمر الأيام وتكر الليالي، حتى كان يوم ليس كمثله يوم، يصل الخبر إلى مكة بوفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وتضطرب النفوس، وتذهب بعض العقول، ويقف الشيطان موقفه يطالب هؤلاء المسلمين مسلمة الفتح الذين دخلوا في دين الله وأعلنوا إسلامهم رهبة لا رغبة، يطالبهم بالارتداد والعودة إلى أصنامهم، ونبذ ما جاء به محمد، وشن الحرب الضروس على أتباعه وأوشكت الفتنة أن تعم أرجاء مكة.
وكاد الكثير من أهلها يرتد.
هنا يقف سهيل بن عمرو الموقف الذي أخبر به الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ويحمده عليه عمر بن الخطاب وجماعة المسلمين.
لقد قام سهيل على باب الكعبة وصاح بالناس فاجتمعوا إليه فقال: يا أهل مكة لا تكونوا آخر من أسلم وأول من ارتد، والله ليتمن الله هذا الأمر كما ذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلقد رأيته قائماً مقامي هذا وحده وهو يقول: “قولوا معي لا إله إلا الله تدين لكم العرب، تؤدي إليكم العجم الجزية، والله لننفقن كنوز كسرى وقيصر في سبيل الله.. فكنا بين مستهزئ ومصدق، فكان ما رأيتم، والله ليكونن الباقي”.
فامتنع الناس عن الردة