السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ثم أرسل معاوية إلى كعب الأحبار رضي الله عنه، [...]، و قال له معاوية: " يا أبا إسحاق، هل بلغك أن في الدنيا مدينة من ذهب؟" فقال كعب: ' نعم يا أمير المومنين، و قد ذكرها الله لموسى بن عمران عليه السلام، و من بناها، و قص عليه خبرها، و كيف هلك بانيها و قومه، و قد ذكره الله تعالى لنبيه محمد (ص) مختصرة فقال: عز من قائل: [ ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد]، و قد أخفاها الله عز و جل عن أعين الناس، و سيدخلها من هذه الأمة رجل يقال له ( عبد الله بن قلابة الأنصاري) و جعل يصفه، ثم إنه نظر إلى عبد الله المذكور جالسا عند معاوية فقال: ها هو ذاك القاعد، فسله عما قلت لك فإن صفته و اسمه في التوراة و لا يدخلها أحد بعده إلى يوم القيامة. فتعجب معاوية من ذلك و أمر لهما بخلع و مال و صرفهما
رضي الله عنهما. و الله أعلم.
اعلم أن الله عز و جل قال في القران المبين: [ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد]،
حكى الشعبي في كتاب سير الملوك: أن الملك شداد بن إرم بن عاد ملك جميع الدنيا، و كان قومهم قوم عاد الأولى زادهم الله بسطة في الأجسام و قوة حتى قالوا من أشد منا قوة؟ و قال الله تعالى: [ أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة] و أن الله قد بعث إليهم هودا النبي عليه السلام فدعاهم إلى الله عز و جل، و عبادته و طاعته، فقال شداد: "إن آمنت بإلاهك ماذا لي عنده؟" فقال هود عليه السلام: ( يعطيك في الآخرة جنة مبنية من ذهب. فيها قصور من ذهب. عليها غرف من ذهب من فوقها غرف من ذهب و يواقيت و لؤلؤ و أنواع الجواهر). قال الشداد: " فأنا أبني في هذه الدنيا مثل هذه الجنة و لا أحتاج إلى ما تعدني بعد الموت".
قال كعب الأحبار رضي الله عنه: 'أن الله تعالى وصف قصة إرم ذات العماد في التوراة لموسى عليه السلام، و صفة بنيانها قال: أمر شداد ألف أمير من جبابرة قوم عاد أن يخرجوا و يطلبوا أرضا واسعة كثيرة المياه طيبة الهواء بعيدة من الجبال، ليبني عليها مدينة من ذهب. قال: فخرج الأمراء و مع كل أمير ألف رجل من جنده و حشمه، و طلبوا في أرض اليمن حتى وصلوا إلى جبل عدن، فرأوا هناك أرضا واسعة كثيرة العيون طيبة الهواء كما أمرهم به الملك شداد.
قال: فأعجبتهم تلك الأرض، فأمروا المهندسين و البنائين فخطوا مدينة مربعة الجوانب دورها أربعون فرسخا كل وجه عشرة فراسخ فحفروا الأساس إلى الماء و بنوه بحجارة الجزع اليماني حتى ظهر على وجه الأرض، ثم بنو فوقه بلبنات الذهب الأحمر سورا علوه 500 ذراع في عرض 20 ذراعا. و كان الشداد قد بعث إلى جميع معادن الدنيا فاستخرج منها الذهب، و اتخذه لبنا، و لم يترك في يد أحد من الناس في جميع الدنيا شيئا من الذهب إلى غصبه، و استخرج الكنوز المدفونة، ثم بنى في باطن المدينة ثلاثمائة ألف قصر و ستين ألف قصر في كل قصر ألف عمود من أنواع الزبرجد و اليواقيت معقود بالذهب. [...] و مد على الأعمدة ألواح الذهب و الفضة،
و بنى على الألواح قصورا من ذهب من فوقها غرف من ذهب، و من فوق الغرف غرف أيضا و جميع ذلك مزين بأنواع اليواقيت و الجواهر، و جعل في طريق المدينة أنهارا من ذهب، و جعل حصاها اليواقيت و الجواهر و أنواع الزبرجد و اللآلئ، و جعل على شطوط تلك الأنهار أنواع النجيل و الأشجار، جذوعها من الذهب و أوراقها و ثمارها من أنواع الزبرجد و اللآلئ و الياقوت، و جعل للمدينة أربعة أبواب[...] بالذهب مزينا بأنواع اليواقيت و الجواهر،[...]، في كل وجه من وجوه المدينة 25 ألف منارة من ذهب برسم الحراس الذين يحرسون المدينة. فتم بنيانها في خمسمائة عام.
فلما فرغوا من بنيانها سيروا إلى مشارق الأرض و مغاربها أن يتخذوا في البلاد بسطا و ستورا و فراشا من أنواع الحرير لتلك القصور و الغرف التي في إرم ذات العماد،[...] ففرغ ذلك في عشر سنين، فزينة المدينة بالفرش و الستور و الآلات و اتخذ فيها أنواع الأطعمة و الأشربة و الأنقال و الحلاوات و الطيب و الشموع و البخور بأنواع العود و العنبر و الكافور، فلما فرغوا من ذلك كله خرج الملك شداد في ألف ألف جارية حسان عليهن أنواع الحلي و الحلل سوى الخدم و الحشم، و خلف على مملكته ابنه مرشد بن شداد، و كان أكبر أولاده و أعقلهم و أحسنهم سياسة و أحبهم إلى الرعية.
قال: فلما أشرف شداد على مدينة إرم ذات العماد و رآها أعجبه ما رأى من حسنها و إتقانها فقال:" قد وصلت إلى ما كان هود يعدنيه بعد الموت، وقد حصلت عليه في الدنيا".
فلما أراد دخول المدينة أمر الله تعالى ملكا من الملائكة فصاح بهم صيحة الغضب، فقبض ملك الموت عليه السلام أرواحهم في طرفة عين، فخروا على وجوههم صرعى. قال الله تعالى:[ و إنه أهلك عادا الأولى]. و أخفى الله المدينة عن أعين الناس، فيرون في الليل في تلك البرية التي بنيت فيها إرم لمعان الذهب و اليواقيت التي للمدينة تضيء كالمصابيح، فإذا وصلوا إليها لم يجدوا هنالك شيئا و رأوا ذلك الضوء في مكان آخر.
وقد دخلها رجل من أصحاب النبي(ص)، يقال له عبد الله بن قلابة الأنصاري، خرج في طلب إبل له ضلت، فمازال يقتص آثارها حتى وصل إلى جبل عدن فظهر له سور مدينة إرم ذات العماد، فلما نظر إلى سورها يلمع ذهبا أحمر مرصعا بأنواع اليواقيت و رأى تلك المنائر حولها معمولة بالذهب مزينة بالجواهر، فعظمت المدينة في عينه، فلما رآها و لم ير لها آخر و لا أولا دهش و بهت، وكلما قرب منها زاد تعجبه و قال في نفسه هذه تشبه الجنة التي وعد الله بها عباده المتقين في الآخرة، فقصد بابا من أبوابها، فلم وصل إليه أناخ ناقته، و دخل الباب فرأى تلك القصور و الأنهار و الأشجار، و لم ير في المدينة أحدا (تعجب) فقال: أرجع إلى معاوية و أعلمه بهذه المدينة ليأتي إليها و يسكنها.
و أخذ معه من حصباء المدينة جواهر و يواقيت و زبرجد، و جعله في وعاء كانت مع على راحلته، و علم على المدينة علامة، و قال: قربها من جبل عدن كذا و كذا، ثم انصرف بعدما ظفر بإبله حتى دخل على معاوية بدمشق، فسلم عليه و سأله معاوية من أين قدم؟ قال: جئتك من مدينة من ذهب لا يدرى أولها ولا آخرها، لعظمها. فيها قصور من ذهب مزينة بأنواع اللآلئ تشبه الجنة التي وعدها الله عباده في القرآن. فقال معاوية: أرأيت هذه المدينة في النوم؟ قال: رأيتها في اليقظة و قد أخذت من حصبائها، فأخرج إليه أنواعا من الجواهر و اليواقيت ما لم ير مثله، فوجد بين تلك الجواهر و اليواقيت مثل بعر الإبل من العنبر معجونا بالمسك و الكافور و الزعفران، قد قلت رائحته من القدم فجعل منها على النار فسطعت له رائحة العنبر و المسك و الكافور و الزعفران، فتعجب معاوية من ذلك و قال لقد رأيت عجبا.
ثم أرسل معاوية إلى كعب الأحبار رضي الله عنه، [...]، و قال له معاوية: " يا أبا إسحاق، هل بلغك أن في الدنيا مدينة من ذهب؟" فقال كعب: ' نعم يا أمير المومنين، و قد ذكرها الله لموسى بن عمران عليه السلام، و من بناها، و قص عليه خبرها، و كيف هلك بانيها و قومه، و قد ذكره الله تعالى لنبيه محمد (ص) مختصرة فقال: عز من قائل: [ ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد]، و قد أخفاها الله عز و جل عن أعين الناس، و سيدخلها من هذه الأمة رجل يقال له ( عبد الله بن قلابة الأنصاري) و جعل يصفه، ثم إنه نظر إلى عبد الله المذكور جالسا عند معاوية فقال: ها هو ذاك القاعد، فسله عما قلت لك فإن صفته و اسمه في التوراة و لا يدخلها أحد بعده إلى يوم القيامة. فتعجب معاوية من ذلك و أمر لهما بخلع و مال و صرفهما
رضي الله عنهما. و الله أعلم.