قدر النبي (صلى الله عليه وسلم) عند ربه (عز وجل)
إن شأن رسول الله(صلى الله عليه وسلم ) عند الله لعظيم، وإن قدره لكريم فلقد اختاره الله تعالى واصطفاه على جميع البشر وفضله على جميع الأنبياء والمرسلين . وشرح له صدره، ورفع له ذكره ، ووضع عنه وزره ،وأعلى له قدره وزكاه في كل شيء. زكاه في عقله فقال سبحانه (ما ضل صاحبكم وما غوى )(النجم 2 ) وزكاه في صدقه فقال سبحانه (وما ينطق عن الهوى )(النجم 3 ) وزكاه في بصره فقال سبحانه (ما زاغ البصر وما طغى )(النجم 17) وزكاه في فؤاده فقال سبحانه (ما كذب الفؤاد ما رأى )(النجم 11 ) وزكاه في صدره فقال سبحانه (ألم نشرح لك صدرك )(الشرح 1) وزكاه في ذكره فقال سبحانه (ورفعنا لك ذكرك )(الشرح 4 ) وزكاه في طهره فقال سبحانه (ووضعنا عنك وزرك )(الشرح 2) وزكاه في حلمه فقال سبحانه (بالمؤمنين رءوف رحيم )(التوبة 128) وزكاه في علمه فقال سبحانه (علمه شديد القوى )(النجم 5 ) وزكاه في خلقه فقال سبحانه (وإنك لعلى خلق عظيم )(القلم 4 ) ثم أخبر عن منزلته في الملإ الأعلى عند رب العالمين وعند الملائكة المقربين، فقال سبحانه:(إن الله وملائكته يصلون على النبي )(الاحزاب:52) ثم أمر أهل الأرض من المؤمنين بالصلاة والسلام عليه ليجتمع له الثناء من أهل السماء وأهل الأرض، فقال سبحانه (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)(الأحزاب:56). والحقيقة أنه لا يعرف قدر النبي(صلى الله عليه وسلم ) إلا الرب العلي سبحانه وتعالى . وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه(صلى الله عليه وسلم ) قال (مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه ،فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة! قال : فأنا اللبنة . وأنا خاتم النبيين )(البخاري3535 ومسلم2286) * بل أقسم الله (عز وجل ) بالضحى والليل إذا سجى أنه ما أهمل محمدا وما قلاه بعد ما اختاره واصطفاه واجتباه، وأن ما أعده له في الآخرة خير له من كل ما أعطاه في دنياه، فقال جل في علاه : (والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى و للآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث )(سورة الضحى ) * بل لقد أخذ الله الميثاق على جميع النبيين والمرسلين إن بعث فيهم الحبيب محمد(صلى الله عليه وسلم ) أن يؤمنوا به وينصروه. قال تعالى:(وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين)(آل عمران 81) *ومن شرفه وفضله (صلى الله عليه وسلم) أن الله تعالى وقره في ندائه، فناداه بأحب أسمائه وأسنى أوصافه فقال:( يا أيها النبي) وقال:( يا أيها الرسول )، فنادى الله عز وجل الأنبياء بأسمائهم الأعلام فقال : ( ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة)(الأعراف19) وقال (يا نوح اهبط بسلام )(هود48) ، وقال ( يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا)(الصافات:105،104) وقال: ) يا يحيى خذ الكتاب بقوة) (مريم 12) وما خاطب الله عز وجل نبينا(صلى الله عليه وسلم)إلا بقوله:( يا أيها النبي)أو بقوله:(يا أيها الرسول) أو بقوله :(يا أيها المزمل ) أو بقوله :(يا أيها المدثر). وجمع الله في الذكر بين خليله إبراهيم وخليله محمد (صلى الله عليه وسلم) فذكر خليله إبراهيم باسمه ، وخليله محمد بكنية النبوة ، فقال عز وجل (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي )(آل عمران:68) فكناه إجلالا له، ورفعة لفضل مرتبته ونباهته عنده، ثم قدمه في الذكر على من تقدمه في البعث فقال : (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) (الأحزاب:7) * ومن شرفه وفضله (صلى عليه وسلم) أن الله تعالى أقسم بحياته فقال (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون )(الحجر 72). وإن حياته (صلى الله عليه وسلم) لجديرة أن يقسم الله عز جل بها، أخرج ابن جرير عن ابن عباس،قال: ما خلق الله وما برأ وما ذرأ نفسا أكرم عليه من محمد (صلى الله عليه وسلم) ، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره ، قال الله تعالى: (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون)(الحجر72) * ومن فضله وشرفه أن الله عز وجل أمر الأمة بتوقيره واحترامه ،فأخبر عز وجل أن الأمم السابقة كانت تخاطب رسلهم بأسمائهم الأعلام كقولهم :( يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) (الأعراف: 138)، وقولهم : (يا هود ما جئتنا ببينة) (هود: 53) و قولهم ( يا صالح ائتنا بما تعدنا) (الأعراف :77) ،ونهى الله عز وجل أمة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أن ينادوه باسمه فقال عز وجل :( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا)(النور: 63). وعن ابن عباس في هذه الآية قال : (كانوا يقولون: يا محمد ، يا أبا القاسم فنهاهم الله عن ذلك إعظاما لنبيه(صلى الله عليه وسلم) . قال: فقالوا:( يا نبي الله ، يا رسول الله). ونهى الله عز جل أمة النبي أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته إعظاما له(صلى الله عليه وسلم). فقال عز و جل ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)(الحجرات:2) * ومن شرفه وفضله (صلى الله عليه وسلم) إيثاره أمته على نفسه بدعوته ،إذ جعل الله عز وجل لكل نبي دعوة مستجابة ، فكل منهم تعجل دعوته في الدنيا ، واختبأ هو (صلى الله عليه وسلم ) دعوته شفاعة لأمته. ففي الصحيح عن أبي هريرة قال :قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لكل نبي دعوة مستجابة،فتعجل كل نبي دعوته ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة،فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا).البخاري:11/96 ومسلم:13/75 وقد دلت الأحاديث الكثيرة على رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، وإيثاره إياهم على نفسه ، ودعاؤه لهم في كل مناسبة تعرض له ، بل بلغ من شفقته عليهم أنه أخذه البكاء عند الدعاء لهم ،كما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) تلا قول إبراهيم : (فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) (إبراهيم: 36) وقول عيسى: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) (المائدة: 118) فرفع يده وقال : (أمتي أمتي) ثم بكى فقال الله تعالى يا جبريل: اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك) مسلم:3/78 * ومن الأدلة على شرفه و فضله (صلى الله عليه وسلم) أنه ساد الكل كما في حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه من قوله (صلى الله عليه وسلم) (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة و لا فخر ،وأول من تنشق عنه الأرض ،وأول شافع ،بيدي لواء الحمد تحته آدم فمن دونه ). ولما كان ذكر مناقب النفس إنما يذكر افتخارا في الغالب ، أراد (صلى الله عليه وسلم) أن يقطع وهم من توهم من الجهلة أنه يذكر ذلك افتخارا فقال: (ولا فخر ). * ومنها أنه (صلى الله عليه وسلم) أول شافع وأول مشفع ،كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ،وأول من تنشق عنه الأرض،وأول شافع وأول مشفع ) فهو (صلى الله عليه وسلم) أول من يشفع في الخلائق يوم القيامة،كما في حديث الشفاعة ، حين يذهب للشفاعة يستأذن على الله فيأذن له ،فإذا رأى الله خر ساجدا، فيدعه ما شاء ثم يقال : ( ارفع رأسك محمد، قل تسمع ،وسل تعط ، واشفع تشفع) وهذه هي الشفاعة العظمى في الخلائق كلهم يوم القيامة ،وهي المقام المحمود الذي اختص به نبينا (صلى الله عليه وسلم) في قول تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) (الإسراء: 79) وعسى من الله واجب كما قال ابن عباس رضي الله عنهما،ولنبينا شفاعات أخرى، ومنها شفاعاته لأهل الجنة في دخولها ،فلا تفتح لأحد قبله (صلى الله عليه وسلم)، و منها شفاعته لقوم من العصاة قد استوجبوا النار بذنوبهم ، فيشفع لهم حتى لا يدخلوها ، ومنها شفاعته لقوم من أهل الجنة في زيادة ثوابهم ورفعة درجاتهم، ومنها شفاعته لأهل الكبائر من أمته ،ومنها شفاعته في بعض أهله الكفار حتى يخفف عنهم عذاب النار،وهذه خاصة بأبي طالب ففي صحيح البخاري عن العباس رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما أغنيت عن عمك وكان يدافع عنك ويحوطك قال: (هو في ضحضاح من نار و لولاي لكان في الدرك الأسفل من النار ).
المصدر: موقع الشيخ محمد سالم ولد عدود