بئر زمزم له حكاية عجيبة ، امتدت على مدى قرون كثيرة ... بدأت القصة منذ ولد إسماعيل عليه السلام ، حيث أن والده إبراهيم عليه السلام تركه مع أمه هاجر في تلك الصحراء الخالية ، و تلك المنطقة الموحشة منها و التي هي مكة الآن ...في هذه الصحراء أوجد الله تعالى بئر زمزم ليشرب منه الطفل و أمه ، و نبعت الماء ، و بدأت الطيور تحوم حولها ، و تشرب منها ، فرأتها قبائل العرب المسافرة ، و عرفت أن هذا المكان لا يخلو من الماء ، و أصبحت القبائل ترد على تلك المنطقة أثناء رحلاتها ، و يقدمون للغلام و أمه من الخير ما يكفيهما أسباب العيش ، و التفت قبائل عدة حول زمزم و أقامت في المنطقة ، و أهم تلك القبائل قبيلة جرهم العربية التي تربي إسماعيل بين ربوعها و تزوج منها ... و من نسله قريش ، و منها بنو هاشم الذين ظهر منهم عبد المطلب زعيم مكة و جد الرسول صلى الله عليه و سلم .
و فيما بعد أمر الله إبراهيم و إسماعيل عليهما السلام برفع قواعد الكعبة ، فأتما رفعها و أصبحت العرب ترد عليها للطواف بها .
و على مر السنين حدثت حروب و حوادث بين قبيلة جرهم ، و بعض قبائل العرب ، و دامت الحرب طويلاً و فقدت جرهم أكثر رجالها ، فاضطر الباقي للرحيل بعد أن دفنوا سلاحهم و غزالين من ذهب عند بئر زمزم و ردموها كي لا يستفيد العدو منها . و اختفت بئر زمزم ، و بقيت منسية إلى أن هدى الله عبد المطلب الذي يتولى سقاية الحجيج و القوافل الوافدة إلى الكعبة ، هداه الله إلى حفر زمزم في مكان حدده الهاتف الذي جاءه و هو نائم ...
ذهب عبد المطلب مع ولده الوحيد الحارث يحفران الأرض في المكان المحدد حتى ظهرت الماء ، و وجدا الدروع و السلاح و الغزالين الذهبيين ، فدب الخلاف بين عبد المطلب و بين زعماء قريش على المال و الماء ، فقال لهم : الذهب و المال للكعبة ، و الماء يشرب منه الناس و الحجيج و كان له ما طلب .
رأى عبد المطلب بعد خلافه مع قريش أنه و ابنه قلة ، و أن الضعيف من ليس له أولاد أو عشيرة تحميه عند الشدائد ، فنذر لله لئن أصبح عنده عشرة ذكور و رآهم ليذبحن أحدهم فرباناً لله تعالى .
قصة زمزم لم تنته بعد ، فقد رزق الله عبد المطلب عشرة ذكور و رآهم ، و قد شبوا ، و تذكر النذر الذي نذره لله تعالى ، و أصر على الوفاء ، فأجريت القرعة بين أولاده العشرة ، فخرجت على على عبد الله ، أحب أبنائه إليه ، و مع ذلك لم يحجم ، بل تقدم و أخذ السكين و هم بذبح ولده لولا أن اجتمع رجال قريش يعرضون عليه أن يخرج إلى علرافة كانت بمنطقة قريبة يطلبون رأيها ...
و يذهب عبد المطلب و تقترح العرافة أن يفتدى عبد الله بالإبل ؛ و ذلك بأن تجري قرعة بين عبد الله و بين عشرة من الإبل فإن خرجت القرعة على عبد الله أعيدت بعد زيادة عدد من الإبل ، و هكذا يزداد عدد الإبل و تجري القرعة حتى تخرج على الإبل ، و بذلك يتخلص عبد المظلب من ذبح ولده مع إرضائه لربه .
و هكذا ضربت القرعة مرة بعد مرة ، و ظلت تخرج على عبد الله ، و تزداد الإبل في كل مرة .... إلى أن أصبح عدد الإبل مائة ، و إذ بها تخرج على الإبل ، و بذا فدي عبد الله بمائة من الإبل ، و فرح الناس ، و نحرت الإبل و تركت للناس و الطيور و الوحوش يأكلون منها ما يشاؤون .
و هكذا تنتهي قصة زمزم مع عبد المطلب الذي أرضى ربه فرضي عنه ، و أبقى له على عبد الله ، قرة عينه ، ليزوجه من آمنة بنت وهب ، أفضل نساء قريش نسباً و جمالاً و شرفاً .