Salam Alikom
يقوم بالأمر ويدخل بالنية ويكبر بالعظمة ويقرأ بالترتيل ويركع بالخشوع ويسجد بالتواضع
معنا في هذه الحلقة رجل عابد زاهد وورع وقوام, وصفوه بأنه صاحب الحكم الجليلة, والمواعظ الثمينة, هو أبو عبد الرحمن: حاتم بن عنوان الأصم, والمعروف ب¯"حاتم الأصم".
أما عن سبب تسميته بهذا الاسم فيرجع كما ذكر فريد الدين العطار النيسابوري مؤلف كتاب "تذكرة الأولياء" الى كرمه, فقد جاءت اليه امرأة ذات يوم, وسألته عن مسألة, فخرج منها صوت, فقال حاتم لها: ارفعي صوتك فانني أصم كي لا يخجلها, فرفعت المرأة العجوز صوتها فأجابها في تلك المسألة. وكانت العجوز قد عمرت ما يقرب من خمسة عشر عاما جعل نفسه فيها أصم حتى لا يقول شخص للعجوز انه ليس كذلك. ولما توفيت أجاب ذا الصوت الخفيض حينئذ. وكان قبل ذلك يقول لكل من كان يتحدث معه, ارفع صوتك, ولهذا السبب سمي ب¯"الأصم".
من القصص الرائعة ما رُوي أنه كان يعظ في مجلس بلخ ذات يوم, وكان يقول: الهي, اغفر لمن هو أكثر ذنبًا في هذا المجلس, وأسود صحيفة وأجرأ على الذنوب. كان رجلا يعمل نباشًا للقبور حاضرا في ذلك المجلس, وكان قد شق كثيرًا من القبور, وسرق الأكفان, ولما حل الليل, ذهب للنباشة كعادته, وعندما رفع التراب من على القبر, سمع صوتًا من اللحد: ألا تخجل, فقد غٌفر لك في مجلس الأصم بالأمس, وتستمر في عملك هذه الليلة أيضا, فنهض النباش من التراب, وذهب الى حاتم, وقص عليه القصة, وتاب.
سؤال محير
روي أن حاتمًا سأل أحمد بن حنبل قائلا: أتسعى وراء رزقك? قال بلى, قال: قبل أوانه أم بعده أم فيه? فكر أحمد وقال: ان قلت قبل حينه لقال: لماذا تضيع وقتك? وان قلت بعد حينه لقال: لم تبحث عن شيء ضاع منك? وان قلت في حينه لقال: لماذا تنشغل بشيء سوف يأتي? وبقي عاجزًا أمام تلك المسألة, فقال الشيخ: هكذا ينبغي أن يكون الجواب: ان السعى وراء الرزق ليس بفريضة علينا ولا واجب ولا سنة فلماذا أسعى وراء شيء ليس من هذه الأشياء الثلاثة? وتسأل عن شيء هو نفسه يبحث عنك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: يأتي هو اليك, وها هي اجابة حاتم: "علينا أن نعبده كما أمرنا وعليه أن يرزقنا كما وعدنا".
رُوي أيضا أن شخصًا أراد السفر, فقال لحاتم: عظني, قال: ان أردت العون فكفاك بالله عونا وان أردت الصحبة فكفاك "كرام الكاتبين", وان أردت العبرة فكفاك الدنيا, وان أردت المؤنس فكفاك القرآن, وان أردت العمل فكفاك عبادة الله, وان أردت الموعظة فكفاك الموت, وان لم تكتف بما ذكرته لك فكفاك الجحيم.
وفي وصفه لأنواع القلوب قال حاتم الأصم: القلوب على خمسة أنواع: قلب ميت, وقلب مريض, وقلب غافل, وقلب منتبه, وقلب صحيح. القلب الميت قلب الكفار, والقلب المريض قلب المذنبين, والقلب الغافل قلب اللاهين, والقلب المنتبه قلب اليهودي السيئ الفعال. (قالوا قلوبنا غلف), والقلب الصحيح قلب العاقل العامل كثير الطاعة الخائف من الملك ذي الجلال.
وقد روي أن حاتم عندما قدم الا بغداد, أخبروا الخليفة بأن زاهد خراسان قد جاء, فطلبه ولما دخل حاتم من الباب, قال للخليفة: يا زاهد, فقال الخليفة: لست بزاهد فالدنيا بأسرها طوع أمري, انك أنت الزاهد, قال حاتم: لا بل أنت الزاهد, لأن الله تعالى يقول: (قل متاع الدنيا قليل), وقد قنعت بالقليل, فأنت الزاهد لا أنا فانني لا أقنع بالدنيا والعقبى, فكيف أكون زاهدًا?.
حاله في صلاته
أُثر عنه في أمر الصلاة, ما أورده كتاب "صلاة الصالحين, وقصص العابدين" لأحمد مصطفى الطهطاوي, أن الامام الجليل عصام بن يوسف البلخي المحدث المتوفى سنة 210 ه¯ دخل عليه وهو يعظ الناس ويحدثهم, فقال له: يا حاتم تُحسن تصلي? قال: نعم, قال: كيف تصلي? قال حاتم: أقوم بالأمر, وأمشي بالخشية, وأدخل بالنية, وأكبر بالعظمة, وأقرأ بالترتيل والتفكير, وأركع بالخشوع, وأسجد بالتواضع, وأجلس للتشهد بالتمام, وأسلم بالسنة, وأسلمها بالاخلاص الى الله عز وجل, وأرجع على نفسي بالخوف أن لا يُقبل مني, وأحفظه بالجهد الى الموت, فقال له عاصم: تكلم فانك تحسن تصلي.
ليتك تسلم
ذكر كتاب "الزهاد مئة, أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم" لمحمد صديق المنشاوي, أن الامام أحمد جلس مع حاتم الأصم ورحب به, ثم قال له: كيف التخلص من الناس?
قال حاتم: أن تعطيهم مالك ولا تأخذ من مالهم, وتقضي حقوقهم, ولا تستقضي أحدًا حقك, وتحتمل مكروههم, ولا تكرههم على شيء, وليتك تسلم.
وذات مرة أتاه عاصم الفقيه, فقال له: يا حاتم علمني كيف أصلي. قال: يا عاصم عندما أصلي أقوم بأمر ربي, وأمشي بالسكينة, وأدخل بالسنة, وأنا مع ذلك خائف أن لا تقبل مني.
كان يقول محذرًا الناس من الموت: لكل شيء زينة, وزينة العبادة الخوف, وعلامة الخوف قصر الأمر. وقد خرج على الناس يومًا وقال لهم: ما من صباح الا والشيطان يقول: ما تأكل? وما تلبس? وأين تسكن?
فأقول: آكل الموت, وألبس الكفن, وأسكن القبر.
ورحلت روحه الطاهرة في سفينة الآخرة العام 237 هجرية.
معنا في هذه الحلقة رجل عابد زاهد وورع وقوام, وصفوه بأنه صاحب الحكم الجليلة, والمواعظ الثمينة, هو أبو عبد الرحمن: حاتم بن عنوان الأصم, والمعروف ب¯"حاتم الأصم".
أما عن سبب تسميته بهذا الاسم فيرجع كما ذكر فريد الدين العطار النيسابوري مؤلف كتاب "تذكرة الأولياء" الى كرمه, فقد جاءت اليه امرأة ذات يوم, وسألته عن مسألة, فخرج منها صوت, فقال حاتم لها: ارفعي صوتك فانني أصم كي لا يخجلها, فرفعت المرأة العجوز صوتها فأجابها في تلك المسألة. وكانت العجوز قد عمرت ما يقرب من خمسة عشر عاما جعل نفسه فيها أصم حتى لا يقول شخص للعجوز انه ليس كذلك. ولما توفيت أجاب ذا الصوت الخفيض حينئذ. وكان قبل ذلك يقول لكل من كان يتحدث معه, ارفع صوتك, ولهذا السبب سمي ب¯"الأصم".
من القصص الرائعة ما رُوي أنه كان يعظ في مجلس بلخ ذات يوم, وكان يقول: الهي, اغفر لمن هو أكثر ذنبًا في هذا المجلس, وأسود صحيفة وأجرأ على الذنوب. كان رجلا يعمل نباشًا للقبور حاضرا في ذلك المجلس, وكان قد شق كثيرًا من القبور, وسرق الأكفان, ولما حل الليل, ذهب للنباشة كعادته, وعندما رفع التراب من على القبر, سمع صوتًا من اللحد: ألا تخجل, فقد غٌفر لك في مجلس الأصم بالأمس, وتستمر في عملك هذه الليلة أيضا, فنهض النباش من التراب, وذهب الى حاتم, وقص عليه القصة, وتاب.
سؤال محير
روي أن حاتمًا سأل أحمد بن حنبل قائلا: أتسعى وراء رزقك? قال بلى, قال: قبل أوانه أم بعده أم فيه? فكر أحمد وقال: ان قلت قبل حينه لقال: لماذا تضيع وقتك? وان قلت بعد حينه لقال: لم تبحث عن شيء ضاع منك? وان قلت في حينه لقال: لماذا تنشغل بشيء سوف يأتي? وبقي عاجزًا أمام تلك المسألة, فقال الشيخ: هكذا ينبغي أن يكون الجواب: ان السعى وراء الرزق ليس بفريضة علينا ولا واجب ولا سنة فلماذا أسعى وراء شيء ليس من هذه الأشياء الثلاثة? وتسأل عن شيء هو نفسه يبحث عنك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: يأتي هو اليك, وها هي اجابة حاتم: "علينا أن نعبده كما أمرنا وعليه أن يرزقنا كما وعدنا".
رُوي أيضا أن شخصًا أراد السفر, فقال لحاتم: عظني, قال: ان أردت العون فكفاك بالله عونا وان أردت الصحبة فكفاك "كرام الكاتبين", وان أردت العبرة فكفاك الدنيا, وان أردت المؤنس فكفاك القرآن, وان أردت العمل فكفاك عبادة الله, وان أردت الموعظة فكفاك الموت, وان لم تكتف بما ذكرته لك فكفاك الجحيم.
وفي وصفه لأنواع القلوب قال حاتم الأصم: القلوب على خمسة أنواع: قلب ميت, وقلب مريض, وقلب غافل, وقلب منتبه, وقلب صحيح. القلب الميت قلب الكفار, والقلب المريض قلب المذنبين, والقلب الغافل قلب اللاهين, والقلب المنتبه قلب اليهودي السيئ الفعال. (قالوا قلوبنا غلف), والقلب الصحيح قلب العاقل العامل كثير الطاعة الخائف من الملك ذي الجلال.
وقد روي أن حاتم عندما قدم الا بغداد, أخبروا الخليفة بأن زاهد خراسان قد جاء, فطلبه ولما دخل حاتم من الباب, قال للخليفة: يا زاهد, فقال الخليفة: لست بزاهد فالدنيا بأسرها طوع أمري, انك أنت الزاهد, قال حاتم: لا بل أنت الزاهد, لأن الله تعالى يقول: (قل متاع الدنيا قليل), وقد قنعت بالقليل, فأنت الزاهد لا أنا فانني لا أقنع بالدنيا والعقبى, فكيف أكون زاهدًا?.
حاله في صلاته
أُثر عنه في أمر الصلاة, ما أورده كتاب "صلاة الصالحين, وقصص العابدين" لأحمد مصطفى الطهطاوي, أن الامام الجليل عصام بن يوسف البلخي المحدث المتوفى سنة 210 ه¯ دخل عليه وهو يعظ الناس ويحدثهم, فقال له: يا حاتم تُحسن تصلي? قال: نعم, قال: كيف تصلي? قال حاتم: أقوم بالأمر, وأمشي بالخشية, وأدخل بالنية, وأكبر بالعظمة, وأقرأ بالترتيل والتفكير, وأركع بالخشوع, وأسجد بالتواضع, وأجلس للتشهد بالتمام, وأسلم بالسنة, وأسلمها بالاخلاص الى الله عز وجل, وأرجع على نفسي بالخوف أن لا يُقبل مني, وأحفظه بالجهد الى الموت, فقال له عاصم: تكلم فانك تحسن تصلي.
ليتك تسلم
ذكر كتاب "الزهاد مئة, أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم" لمحمد صديق المنشاوي, أن الامام أحمد جلس مع حاتم الأصم ورحب به, ثم قال له: كيف التخلص من الناس?
قال حاتم: أن تعطيهم مالك ولا تأخذ من مالهم, وتقضي حقوقهم, ولا تستقضي أحدًا حقك, وتحتمل مكروههم, ولا تكرههم على شيء, وليتك تسلم.
وذات مرة أتاه عاصم الفقيه, فقال له: يا حاتم علمني كيف أصلي. قال: يا عاصم عندما أصلي أقوم بأمر ربي, وأمشي بالسكينة, وأدخل بالسنة, وأنا مع ذلك خائف أن لا تقبل مني.
كان يقول محذرًا الناس من الموت: لكل شيء زينة, وزينة العبادة الخوف, وعلامة الخوف قصر الأمر. وقد خرج على الناس يومًا وقال لهم: ما من صباح الا والشيطان يقول: ما تأكل? وما تلبس? وأين تسكن?
فأقول: آكل الموت, وألبس الكفن, وأسكن القبر.
ورحلت روحه الطاهرة في سفينة الآخرة العام 237 هجرية.