مصعب الخير وقصة إسلامه
كان غرة فتيان قريش وأوفاهم بهاء وجمالا وشبابا ، وكان مصعب بن عمير
رضي الله عنه أعطر أهل مكة ، ولد في النعمة، وغذي بها، وشب تحت
خمائلها ، لم يظفر بالتدليل مثله أي فتى من قريش ، فكان المدلل المنعم أو كما
يصفه المسلمين مصعب الخير ، والى جانب أناقة مظهره كان لؤلؤة مجالس مكة
وندواتها رغم حداثة سنه، ثم تحول الى أسطورة من أساطير الايمان والفداء .
انه واحد من أولئك الذين صاغهم الاسلام ورباهم محمد صلى الله عليه وسلم
سمع ذات يوم ، ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين صلى الله عليه
وسلم ، حين كانت مكة تمسي وتصبح ولا هم لها، ولا حديث يشغلها الا الرسول
صلى الله عليه وسلم ودينه، فكان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لهذا
الحديث ، ذلك أنه كان زينة المجالس والندوات ، تحرص كل ندوة أن يكون مصعب
بين شهودها، وذلك لأناقة مظهره ورجاحة عقله التي تفتح له القلوب والأبواب .
فسمع فيما سمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه، يجتمعون بعيدا
عن فضول قريش وأذاهاعلى الصفا في دار الأرقم بن أبي الأرقم فلم يطل به
التردد ، ولا التلبث والانتظار ، بل صحب نفسه ذات مساء الى دار الأرقم تسبقه
أشواقه ورؤاه ، هناك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو
عليهم القرآن، ويصلي معهم لله سبحانه ، ولم يكد مصعب يأخذ مكانه، وتنساب
الآيات من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم متألفة على شفتيه، ثم آخذة طريقها
الى الأسماع والأفئدة، حتى كان فؤاد ابن عمير رضي الله عنه في تلك الأمسية
هو الفؤاد الموعود ، ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه، وكأنه من الفرحة الغامرة
يطير ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لامست الفؤاد
المتوثب، فكانت السكينة العميقة عمق المحيط ، وفي لمح البصر كان الفتى الذي
آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة ما يفوق ضعف سنه وعمره، ومعه من التصميم ما يغير سير الزمان .
أمه
كانت أم مصعب " خناس بنت مالك " تتمتع بقوة فذة في شخصيتها، وكانت تهاب
إلى حد الرهبة ، ولم يكن مصعب رضي الله عنه حين أسلم ليحاذر أو يخاف على
ظهر الأرض قوة سوى امه، ولقد فكر سريعا، وقرر أن يكتم اسلامه ، وظل يتردد
على دار الأرقم، ويجلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قرير العين
بايمانه ، وبتفاديه غضب أمه التي لا تعلم خبر إسلامه خبرا.
ولكن مكة في تلك الأيام بالذات، لا يخفى فيها سر، فعيون قريش وآذانها على
كل طريق، ووراء كل بصمة قدم فوق رمالها الناعمة اللاهبة، الواشية.
ولقد أبصر به عثمان بن طلحة وهو يدخل خفية الى دار الأرقم ، ثم رآه مرة أخرى
وهو يصلي كصلاة محمد صلى الله عليه وسلم ، فسابق ريح الصحراء وزوابعها،
شاخصا الى أم مصعب رضي الله عنه حيث ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابها.
ووقف مصعب أمام أمه، وعشيرته، وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليهم في
يقين الحق وثباته ، القرآن الذي يغسل به الرسول صلى الله عليه وسلم قلوبهم،
ويملؤها به حكمة وشرفا ، وعدلا وتقى ، وهمت أمه أن تسكته بلطمة قاسية،
ولكن اليد التي امتدت كالسهم، ما لبثت أن استرخت وتنحت أمام النور الذي زاد
وسامة وجهه وبهاءه جلالا يفرض الاحترام، وهدوءا يفرض الاقناع.
ولكن، إذا كانت أمه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذى، فان في
مقدرتها أن تثأر للآلهة التي هجرها بأسلوب آخر.
وهكذا مضت به الى ركن قصي من أركان دارها، وحبسته فيه، وأحكمت عليه
اغلاقه، وظل رهين محبسه ذاك، حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين الى أرض
الحبشة، فاحتال لنفسه حين سمع النبأ، وغافل أمه وحراسه، ومضى الى الحبشة مهاجرا أوابا .
ولكن سواء كان مصعب رضي الله عنه بالحبشة أم في مكة، فان تجربة ايمانه تمارس
تفوقها في كل مكان وزمان ، ولقد فرغ من إعداد صياغة حياته على النسق الجديد
الذي أعطاهم محمد صلى الله عليه وسلم نموذجه المختار ، واطمأن مصعب رضي الله
عنه الى أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدم قربانا لبارئها الأعلى، وخالقها العظيم.
خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما
أن بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيا ،
ذلك أنهم رأوه ، يرتدي جلبابا مرقعا باليا، وعاودتهم صورته الأولى قبل اسلامه،
حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة، وألقا وعطرا ، وتملى رسول الله صلى الله
عليه وسلم مشهده بنظرات حكيمة، شاكرة محبة، وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة، وقال :
" لقد رأيت مصعبا هذا، وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه، ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله
كان غرة فتيان قريش وأوفاهم بهاء وجمالا وشبابا ، وكان مصعب بن عمير
رضي الله عنه أعطر أهل مكة ، ولد في النعمة، وغذي بها، وشب تحت
خمائلها ، لم يظفر بالتدليل مثله أي فتى من قريش ، فكان المدلل المنعم أو كما
يصفه المسلمين مصعب الخير ، والى جانب أناقة مظهره كان لؤلؤة مجالس مكة
وندواتها رغم حداثة سنه، ثم تحول الى أسطورة من أساطير الايمان والفداء .
انه واحد من أولئك الذين صاغهم الاسلام ورباهم محمد صلى الله عليه وسلم
سمع ذات يوم ، ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين صلى الله عليه
وسلم ، حين كانت مكة تمسي وتصبح ولا هم لها، ولا حديث يشغلها الا الرسول
صلى الله عليه وسلم ودينه، فكان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لهذا
الحديث ، ذلك أنه كان زينة المجالس والندوات ، تحرص كل ندوة أن يكون مصعب
بين شهودها، وذلك لأناقة مظهره ورجاحة عقله التي تفتح له القلوب والأبواب .
فسمع فيما سمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه، يجتمعون بعيدا
عن فضول قريش وأذاهاعلى الصفا في دار الأرقم بن أبي الأرقم فلم يطل به
التردد ، ولا التلبث والانتظار ، بل صحب نفسه ذات مساء الى دار الأرقم تسبقه
أشواقه ورؤاه ، هناك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو
عليهم القرآن، ويصلي معهم لله سبحانه ، ولم يكد مصعب يأخذ مكانه، وتنساب
الآيات من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم متألفة على شفتيه، ثم آخذة طريقها
الى الأسماع والأفئدة، حتى كان فؤاد ابن عمير رضي الله عنه في تلك الأمسية
هو الفؤاد الموعود ، ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه، وكأنه من الفرحة الغامرة
يطير ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لامست الفؤاد
المتوثب، فكانت السكينة العميقة عمق المحيط ، وفي لمح البصر كان الفتى الذي
آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة ما يفوق ضعف سنه وعمره، ومعه من التصميم ما يغير سير الزمان .
أمه
كانت أم مصعب " خناس بنت مالك " تتمتع بقوة فذة في شخصيتها، وكانت تهاب
إلى حد الرهبة ، ولم يكن مصعب رضي الله عنه حين أسلم ليحاذر أو يخاف على
ظهر الأرض قوة سوى امه، ولقد فكر سريعا، وقرر أن يكتم اسلامه ، وظل يتردد
على دار الأرقم، ويجلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قرير العين
بايمانه ، وبتفاديه غضب أمه التي لا تعلم خبر إسلامه خبرا.
ولكن مكة في تلك الأيام بالذات، لا يخفى فيها سر، فعيون قريش وآذانها على
كل طريق، ووراء كل بصمة قدم فوق رمالها الناعمة اللاهبة، الواشية.
ولقد أبصر به عثمان بن طلحة وهو يدخل خفية الى دار الأرقم ، ثم رآه مرة أخرى
وهو يصلي كصلاة محمد صلى الله عليه وسلم ، فسابق ريح الصحراء وزوابعها،
شاخصا الى أم مصعب رضي الله عنه حيث ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابها.
ووقف مصعب أمام أمه، وعشيرته، وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليهم في
يقين الحق وثباته ، القرآن الذي يغسل به الرسول صلى الله عليه وسلم قلوبهم،
ويملؤها به حكمة وشرفا ، وعدلا وتقى ، وهمت أمه أن تسكته بلطمة قاسية،
ولكن اليد التي امتدت كالسهم، ما لبثت أن استرخت وتنحت أمام النور الذي زاد
وسامة وجهه وبهاءه جلالا يفرض الاحترام، وهدوءا يفرض الاقناع.
ولكن، إذا كانت أمه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذى، فان في
مقدرتها أن تثأر للآلهة التي هجرها بأسلوب آخر.
وهكذا مضت به الى ركن قصي من أركان دارها، وحبسته فيه، وأحكمت عليه
اغلاقه، وظل رهين محبسه ذاك، حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين الى أرض
الحبشة، فاحتال لنفسه حين سمع النبأ، وغافل أمه وحراسه، ومضى الى الحبشة مهاجرا أوابا .
ولكن سواء كان مصعب رضي الله عنه بالحبشة أم في مكة، فان تجربة ايمانه تمارس
تفوقها في كل مكان وزمان ، ولقد فرغ من إعداد صياغة حياته على النسق الجديد
الذي أعطاهم محمد صلى الله عليه وسلم نموذجه المختار ، واطمأن مصعب رضي الله
عنه الى أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدم قربانا لبارئها الأعلى، وخالقها العظيم.
خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما
أن بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيا ،
ذلك أنهم رأوه ، يرتدي جلبابا مرقعا باليا، وعاودتهم صورته الأولى قبل اسلامه،
حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة، وألقا وعطرا ، وتملى رسول الله صلى الله
عليه وسلم مشهده بنظرات حكيمة، شاكرة محبة، وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة، وقال :
" لقد رأيت مصعبا هذا، وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه، ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله