تحريم الزنى
قال الله سبحانه و تعالى :
{ و لا تقربوا الزنى إنه كان فاحشةً و ساء سبيلا } [ سورة الإسراء : الآية 32 ] .
و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن " [ أخرجه الشيخان ] .
قوله سبحانه و تعالى { ولا تقربوا الزنى } أي لا تقتربوا منه و لا من أسبابه و دواعيه لأن تعاطي الأسباب مؤد إليه ، و هو فعلة شديدة القبح و ذنب عظيم و ساء طريقاً لأن فيه هتك الأعراض و اختلاط الأنساب و اقتحام الحرمات و اعتداء على حقوق الآخرين ، يهدم الأسرة و ينشر الفوضى و الأمراض الفتاكة في المجتمع .
قال القفال : إذا قيل للإنسان لا تقرب هذا فهذا أكثر من أن يقول له لا تفعله . ثم إنه تعالى علل هذا النهي بكونه فاحشة و ساء سبيلا .
و إذا كانت هذه القيم قد رفعت عند الأمم الغربية و جعلوا الاستمتاع بالمرأة كالطعام و الشراب فهو نذير سوء و نكسة في الفطرة الإنسانية.
قال الرازي: وصف الله الزنى بصفات ثلاثة : كونه فاحشة ، و مقتاً في آية أخرى ، و ساء سبيلا . أما كونه فاحشة فلاشتماله على فساد الأنساب الموجبة لخراب العالم ، و لاشتماله على التقاتل و التواثب على الفروج و هو أيضاً يوجب الخراب .
و أما المقت فلأن الزانية تصبح ممقوتة مكروهة و ذلك يوجب عدم السكن و الازدواج ، و أما أنه ساء سبيلا فلأنه لا يُبقي فرقاً بين الإنسان و بين البهائم في عدم اختصاص الذكور بالإناث . و أيضاً يبقى ذل هذا العمل و عيبه على المرأة من غير أن يصير مجبوراً بشيء من المنافع .
و اتفق العلماء على أن الزنى من الكبائر لأن الله سبحانه و تعالى قرنه مع الشرك و قتل النفس في قوله تعالى :
{ و الذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ، و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ، و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق أثاماً ، يضاعف له العذاب يوم القيامة } [ سورة الفرقان : الآيات 68 : 69 ] .
و لأنه سبحانه و تعالى أوجب فيه الحد و نهى المؤمنين عن الرأفة بالزناة .
تحريم دواعي الزنى : فقد حرم الإسلام كل ما يدعو إلى الفاحشة :
· فقد حرمت الخلوة بالمرأة الأجنبية دفعاً لوساوس الشر و هواجس الفاحشة من أن تتحرك في الصدور عند التقاء رجل بأنثى لا ثالث بينهما.
عن عامر بن ربيعة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان " [ رواه الإمام أحمد ] .
و عن عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم " [ رواه البخاري و مسلم ].
و لعل الفتنة أشد عندما تكون الخلوة مع أقارب الزوج كأخيه و عمه لأن دخولهم أيسر ، و من غير نكير ، بخلاف الغرباء .
هذا ما يوضحه قول النبي صلى الله عليه و سلم لما سئل عن الحمو : " الحمو موت " [ متفق عليه ] ، أي يعدل الموت من جهة هلاك الروابط الاجتماعية و تغلغل بذور الشقاق في الأسرة لتورطها في الزنى .
· و حرم النظر بشهوة إلى الجنس الآخر _ عدا الزوجة _ قال تعالى:
{ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن } [ سورة النور: الآيات 30: 31 ]
و ما رواه البخاري _ و غيره _ عن النبي صلى الله عليه و سلم: " العينان تزنيان و زناهما النظر ".
و الواقع أن تسريح البصر طليقاً بلا حدود يجلب للإنسان الشقاء فهو يتعبه بما يسر ناظره ، فلا هو قادر على هذا الجمال كله و لا على تلبية غرائزه المثارة به ، و لا هو صابر عن بعضه ، مما ينتهي به إلى اضطراب التفكير و السلوك علماً بأن الأبحاث العلمية تؤكد أن فرط الاستثارة في المراكز العصبية الجنسية يمكن أن تؤدي إلى العنانة .
· تحريم التبرج و الاختلاط : ركب الله الغرائز في الإنسان لتؤدي وظيفة سامية في المجتمع و هي بناء الأسرة و تقوية روابطها مع هذا المجتمع ، و لا تستمر هذه الوظيفة إلا باستمرار حاجة كل من الجنسين إلى الآخر .
و التبرج و الاختلاط يهيج الغرائز و يؤججها لتصل إلى غايتها الحسية عن طريق غير مشروع ، أو أن يقاوم المرء غرائزه فيعيش في اضطراب ، و يفقد الاطمئنان إلى زوجته و قد تتهدم الأسرة من خلال دخول الفاحشة إليها ، و يكثر اللقطاء و أولاد الزنى و حالات الطلاق في تلك المجتمعات .
يقول النبي صلى الله عليه و سلم : " إن من أهل النار نساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها " [ رواه مسلم ] .
الحد من الزنى :
أوجب الله سبحانه و تعالى على أولي الأمر إقامة الحد على الزناة _ حفاظاً على الأعراض _ و منعاً لاختلاط الأنساب ، و تحقيقاً للعفاف ، و الصون ، و طهر المجتمع ، و للحيلولة دون ظهور اللقطاء في الشوارع ، و انتشار الأمراض الزهرية ، و تكريماً للمرأة و حفظ مستقبلها .
قال تعالى : { الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة و لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } [ سورة النور : الآية 2 ] .
و ظاهر الآية أن حد الزناة مطلقاً هو الجلد مائة جلدة، لكن ثبت في السنة القطعية المتواترة التفريق بين حد المحصن و غير المحصن.
حيث خُصِّصت الآية المذكورة في عقوبة الزانية و الزاني غير المحصنين بالزواج، الحرين، البالغين، العاقلين. و أضافت إلى العقوبة المذكورة و هي مائة جلدة، تغريب عام _ النفي سنة كاملة.
عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم "خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر مائة جلدة و تغريب عام، و الثيب بالثيب جلد مائة جلدة و الرجم " [ رواه الإمام أحمد و أصحاب السنن ].
هذا و قد اتفق علماء الأمة على أن عقوبة غير المحصن هو الجلد مائة، و اختلفوا في وجوب التغريب حيث أبقاها بعضهم عقوبة رادعة إضافية في يد الإمام.
أما المحصن _ الثيب أو المتزوج _ فالإجماع أن عقوبته الرجم بالحجارة حتى الموت ، أما جلده قبل رجمه، فلم يستقر عليه التشريع في السنة المطهرة، و أصبح المطبق هو: الرجم فقط .