السلام عليكم
ليلة بعد ليلة تأخذنا سنة النوم، فننقاد لها طائعين كي يرتاح الجسم و الذهن من عناء النشاط اليومي المتنوع، فالإنسان لا يستطيع أن عيش دون نوم، لأنه حاجة ماسة تماما مثل الغذاء و الماء، و لو حرم من النوم لفترة طويلة، فإنه يصبح عرضة لتوتر، و يصاب بارتجاف عضلي، وتتراجع لديه حاستا البصر و السمع، و يتباطأ انتباهه و قدرته على التركيز، و تضعف ذاكرته، و لو زاد الأمر عن حده، يؤدي به إلى الاكتئاب و الجنون ثم الموت في نهاية الأمر.
بعض الأشخاص يتحملون الحرمان من النوم أكثر من غيرهم، و لكن المغامرات المسجلة كأرقام قياسية للبقاء من دون نوم أدت في أغلبها إلى هلوسة أصحابها في النهاية.
ثلث حياتنا نقضيه في النوم:
يقضي الإنسان ثلث حياته في النوم، و هذا يعني أن إنسانا عمره 60 عاما يكون قد أمضى في المتوسط 20 عاما من عمره في النوم، لكن الحاجة للنوم تختلف من شخص لآخر و ترتبط بمراحل العمر المختلفة.
الأشخاص البالغون ينامون 7 أو 8 ساعات في الليل، و لكن هناك أشخاصا تتراوح نسبتهم 10 و 15 في المئة، يحتاجون إلى 9 ساعات أو أكثر من النوم، و بالمقابل هناك نسبة 5 في المئة يكتفون ب 6 و أحيانا 4 ساعات من النوم، كي يكونوا في كامل لياقتهم و نشاطهم طوال اليوم، و كمثال للفئة الأولى نذكر العالم الشهير "ألبرت أينشتاين" الذي كان ينام 10 ساعات يوميا، أما "نابوليون بونابارت" و "فيكتور هوغو" فكانا من الفئة الثانية.
كثرة النوم أو قلته ترتبط بعوامل وراثية ينقلها الآباء إلى أبنائهم، كما ترتبط بنمط أو نوع الحياة التي يعيشها الفرد، و عموما كلما زاد العمل و الجهد كانت الحاجة إلى النوم أكبر.
ساعتنا البيولوجية:
هناك في أجسامنا ما يشبه ساعة بيولوجية داخلية تتحكم بها و تنظمها عاداتنا اليومية، و ترتبط أيضا بتوالي الليل و النهار، و من هنا مثلا يعتاد الفرد على النوم و الاستيقاظ في ميعاد محدد. فالإنسان يخلد إلى النوم ليلا بحكم العادة، فيشعر بالنعاس، و تنخفض حرارة جسمه، و يصعب عليه البقاء يقظا، و إذا اضطر لسفر طويل، فإنه يحتاج إلى فترة كي يبرمج جسمه و موعد نومه، ليتكيف مع فارق التوقيت، لذلك فإن هذه الساعة الداخلية تكون مضبوطة وفقا لنمط حياة كل فرد، و نشاطه اليومي و موعد راحته و نومه، و كل إنسان يداعب النعاس أجفانه و يحل موعد نومه في الساعة التي اعتاد فيها التوجه إلى فراشه، سواء كان ذلك باكرا أو بعد طول سهر.
لكل مرحلة من العمر حاجتها إلى النوم:
الحاجة إلى النوم ليست متساوية لدى جميع الأعمار، و تتباين تبعا لمراحل العمر، فالطفل الوليد ينام 16 ساعة في اليوم، بينما يحتاج الصغار إلى ما بين 10 و 12 ساعة من النوم يوميا، المراهقون بدورهم بحاجة إلى النوم جيدا، لأن هذه المرحلة من العمر ترافقها تغيرات جسمانية هامة، أما البالغون فينامون في المتوسط ما بين 7 و 8 ساعات، و لكن الحاجة إلى النوم تقل بشكل عام بعد بلوغ الخمسين، حيث يصبح النوم متقطعا.
كيف ننام جيدا؟
- العشاء الدسم، و في وقت متأخر، لا يساعد على النوم الجيد، خصوصا إذا علمنا أن عملية الهضم تحصل بعد ساعتين من الطعام من تناول الطعام.
- يستحسن أن تكون غرفة النوم معتدلة الحرارة، لأن الدفء الزائد يمنع النوم المريح.
- الإحساس بالراحة و الأمان يمنحك نوما مريحا، ففي الطبيعة تنام الحيوانات آكلة الأعشاب أقل من الحيوانات المفترسة، لأن خوفها من الخطى، يجعلها أكثر تيقظا.
- النوم يتكون من دورات أو مراحل متتالية، فإذا ذهبنا إلى فراشنا بعد موعد بداية إحدى هذه الدورات، لن نستسلم للنوم إلا بعدما يحين أوان الدورة التالية، و لذا فمن الضروري تنظيم مواعيد النوم.
مشاكل النوم:
- الأرق: هو أبرز مشاكل أو أمراض النوم و أكثرها انتشارا، لأن النائم يجد صعوبة كبيرة في الاستسلام للنوم. قد تكون حالة الأرق مؤقتة أو عابرة، مرتبطة بأزمة صحية أو نفسية أو إحساس بالألم، أو نتيجة تغيير هام يطرأ على حياة الشخص، و قد يكون حالة مزمنة، يزيدها حدة تعاطي الأقراص المنومة.
- الشخير: يكون نتيجة ضيق في مجاري التنفس، يمنع الانسياب بسهولة إلى الرئتين، و هو ينتشر بين الرجال أكثر من النساء. الأشخاص المصابون بشخير مزمن يكونون معرضين للإصابة بأمراض القلب، لأن دمهم لا يحصل على القدر الكافي من الأكسجين خلال الليل. يمكن معالجة هذه المشكلة بالجراحة أو الليزر.
- المشي أثناء النوم: لا يعتبر حالة مرضية، و يحدث خلال النوم العميق، و لا علاقة له بالأحلام، يغادر النائم سريره و قد يقوم بأشياء يعجز عنها لو كان يقظا و في كامل وعيه، و عندما يستيقظ لا يتذكر شيئا مما حصل معه. هذه الحالة تظهر غالبا خلال مرحلة معينة من العمر، ما بين الخامسة و الثانية عشرة، و تختفي في سن المراهقة، و تصيب الصبيان و نادرا ما تظهر لدى البنات، و يحذر الأطباء من إيقاظ من تنتابهم هذه الظاهرة.
- مرض النوم: هو مرض خطير و قاتل يصيب الملايين في إفريقيا، تسببه ذبابة "التسي تسي"، هذه الذبابة تنقل طفيليات خطرة تتكاثر في الدم و تهاجم الجسم، ثم الجهاز العصبي في المرحلة الأخيرة التي تؤدي إلى الإنهاك و الانهيار فالموت.
نوما هنيئا:
- القيلولة مفيدة لاستعادة النشاط و اللياقة، شرط ألا تطول أكثر من اللازم، لأن فترة النوم خلالها ستحرم من فترة موازية لها ليلا، و كان العبقري "ليوناردو دا فنشي" يكتفي بربع ساعة من النوم نهارا كي يبقى في أفضل حالاته الذهنية و البدنية.
- خلق الله النهار و جعله للسعي و العمل، و الليل للسكون و الراحة و النوم، لذلك فإن العميل الليلي الذائم، رغم ضرورته في بعض المجالات الحيوية، قد يردي أحيانا إلى تراكم التعب، و بالتالي انخفاض القدرة على اليقظة و التركيز، و لا ننسى على سبيل المثال أن كارثة "تشرنوبيل" و ما أسفرت عنه حصلت خلال الليل نتيجة خطإ بشري.
- هرمون النمو يصنع الجسم أساسا عندما نكون مستغرقين في نوم عميق، و هو الهرمون الذي يجعلنا ننمو و نكبر خلال سنوات الطفولة و المراهقة، و خلال النوم العميق أيضا تتم التفاعلات الكيميائية في خلايانا العصبية التي تعمل على نمو شعرنا و أظافرنا.
رحلة ليلية مدهشة إلى عالم النوم و الأحلام:
يقسم العلماء ساعات النوم ليلا إلى أربع دورات أو مراحل، يستغرق كل منها ساعة و نصف أو ساعتين، و في كل مرحلة هناك درجات تتفاوت بين النوم الخفيف و النوم العميق، و النوم الذي تحدث فيه الأحلام، و يشكل الجزء الأخير من كل دورة من دورات النوم.
خلال النوم الخفيف يبقى إحساسنا بما حولنا موجودا، فنسمع رنين الهاتف مثلا و يمكننا الرد على المكالمة لأن دماغنا لا يزال قادرا على اليقظة الفورية، و يشكل النوم الخفيف قرابة نصف الوقت الذي نمضيه ليلا في النوم.
أما خلال النوم العميق، فلا نشعر بأي شيء أو نسمع شيئا، وإذا أراد أحد إيقاظنا فعليه أن يهزنا بعنف كي نفتح أعيننا، و خلال النوم العميق تتباطأ الموجات الكهربائية الصادرة عن المخ و يقل عدد نبضات القلب، و يشكل النوم العميق حوالي ربع الوقت الذي نقضيه ليلا في النوم، أي في حدود ساعتين لكل 8 ساعات نوم. و يأتي النوم العميق أساسا في بدايات الليل، و يخف حتى ينعدم تماما في أواخر الليل.
هذا النوع من النوم لا غنى عنه أبدا، لأنه الفترة التي يستريح خلالها الجسم و يسترد كامل نشاطه، بعد نهار حافل بالحركة و العمل، و يصبح خلالها و كأنه مشلول، بينما يشهد الدماغ نشاطا مكثفا، و تدور حدقتا العين في محجريهما بسرعة خلال الحلم، و يختم نوم الأحلام كل دورة أو مرحلة من مراحل النوم، و تطول مدته أكثر فأكثر بمرور
الليل.
بعض الأحلام يتذكرها النائم عندما يستيقظ صباحا، و لكن الكثير منها ينساها تماما. و يختتم ليلته بفترة طويلة من الأحلام، تليها فترة من النوم الخفيف قبل أن يفتح عينيه صباحا ليبدأ نهارا جديدا.
أحلام الطفل الوليد ثلاثة أضعاف أحلام الكبار:
يمثل النوم الذي تصاحبه الأحلام 60 في المئة من الوقت الذي يقضيه الطفل الرضيع في النوم، و لكن هذه النسبة تنخفض ابتداء من سن 12 لتصبح 20 في المئة فقط من ساعات النوم. و كما سبق الذكر، فإن نوم الأحلام يراقفه نشاط مكثف في الدماغ، يفوق نشاطه في ساعات اليقظة، و من هنا يميل بعض العلماء إلى الاعتقاد بأن نوم الأحلام يساعد
على فرز و حفظ و تذكر الأشياء التي نتعلمها أثناء النهار، و لذلك فهو يشكل لدى الأطفال ثلاثة أضعاف نسبته لدى الكبار، لأنهم ما زالوا في المرحلة التأسيسية من حياتهم من حيث التلقي و التعلم.
عندما يكون الطفل الوليد مستغرقا في أحلامه، تترجم تعبيرات وجهه كل المشاعر التي يحس بها أو يمر بها الإنسان البالغ، رغم أن الطفل في هذه السن المبكرة يكون غير قادر بعد على إظهار هذه التعبيرات على وجهه عندما يكون مستيقظا.
أحلامنا ماذا تقول لنا؟
حاول الإنسان دائما أن يفهم أحلامه التي طالما كانت تبهره و تثير تساؤلاته، ليفك رموزها و يفهم أسرارها، فالأحلام ليست فقط مجرد استعادة لشريط الأحداث اليومية، و إنما تتخذ أحيانا شكل الرمز الذي لا ندرك معانيه. الحلم أيضا متنفس أو مخرج لما يختزنه عقلنا الباطن أو اللاوعي، من تجارب و رغبات دفينة في أعماق نفوسنا، لا تجد لها سبيلا للانطلاق بحرية و التعبير عن نفسها بلا قيود، إلا عندما تأخذنا الأحلام إلى عالمها المدهش المليء بالرموز و الصور المموهة، و لذا تعتبر الأحلام من المؤشرات التي تترجم شخصيتنا، و تدل عليها، و تبرزها على حقيقتها.
في مطلع القرن العشرين، و بالتحديد عام 1900م، نشر الطبيب النمساوي "سيغموند فرود" في فيينا كتابا أحدث ضجة كبيرة في الأوساط المهتمة بعلم النفس، هذا الكتاب حمل عنوان "تفسير الأحلام"، و يشكل جزءا هاما من نظريته حول التحليل النفسي للشخصية البشرية، و يساعد على فهم ما يجول في أعماقها.
البداية كانت حلما:
- فكرة ماكينة الخياطة و إبرتها المثقوبة من أسفل جاءت إثر حلم رآه المخترع الأمريكي "إلياس هاو".
- المعادلة الكيميائية لتركيبة البنزين اكتشفها الكيميائي الألماني "فريدريك أوغست كيكول" في المنام عام 1865م بعد أن استحوذت على فكره.
- بعض المقطوعات الكلاسيكية استلهمها الموسيقاران "موزار" و "فاغنر" من الحلم قبل تأليفها.
- رواية "دكتور جيكل و مستر هايد" تخيلها الكاتب الإنجليزي "روبرت ستيفنسون" في المنام قبل كتابتها.
- الكاتبان الكبيران "فيكتور هيغو" و "شارلز ديكنز" تحولت بعض أحلامهما إلى روايات.
- إحدى أشهر لوحات الرسام السريالي "سلفادور دالي" رآها في المنام قبل أن يعمد إلى رسمها.
- هناك العديد و العديد من الأحلام المشابهة، اقتصرت على بعض الأمثلة فقط
حكاية أشهر حلم في التاريخ:
من أشهر الأحلام في التاريخ، و التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، الرؤيا التي رآها فرعون مصر، و كان تفسيرها سببا في إنقاذ مملكته من خطر المجاعة بسبب قحط أصابها. رأى ملك مصر في منامه سبع بقرات ضعاف نحاف يأكلن سبع بقرات سمان، كما رأى سبع سنبلات خضر و سبعا يابسات، فلما استيقظ من نومه تعجب لهذه الرؤيا، و جمع الكهنة و الوزراء و الأمراء، و طلب منهم تفسيرا لما رآه في نومه، و لكنهم عجزوا عن ذلك و حاولوا التخفيف عنه. تذكر ساقي الملك الذي كان سجينا من قبل مع سيدنا يوسف عليه السلام أنه ذو قدرة على تفسير الرؤى، فذهب إليه في سجنه و قص عليه الرؤيا. فسرها يوسف عليه السلام قائلا: سوف تزرعون سبع سنوات متتالية يأتيكم فيها الخير الكثير بما يرسله الله إليكم من مطر، و هذا هو معنى البقرات السمان، لذا يجب أن تتركوا الباقي للسنوات السبع في سنابلها كيلا تتلف، و لا تأخذوا منها إلا بقدر حاجتكم، و تتركوا الباقي للسنوات السبع الأخرى المجدبة التي ستستهلكون فيها كل ما خزنتم، ثم يعقب السبع سنوات المجدبة عام رضا و خير. تحقق ما قاله سيدنا يوسف عليه السلام، و خرج من سجنه بعد أن ثبتت براءته من التهمة المنسوبة إليه، و اتخذه الملك وزيرا له.
يتبع...
مع تحيات The King Zaki
أسرار النوم و الأحلام
ليلة بعد ليلة تأخذنا سنة النوم، فننقاد لها طائعين كي يرتاح الجسم و الذهن من عناء النشاط اليومي المتنوع، فالإنسان لا يستطيع أن عيش دون نوم، لأنه حاجة ماسة تماما مثل الغذاء و الماء، و لو حرم من النوم لفترة طويلة، فإنه يصبح عرضة لتوتر، و يصاب بارتجاف عضلي، وتتراجع لديه حاستا البصر و السمع، و يتباطأ انتباهه و قدرته على التركيز، و تضعف ذاكرته، و لو زاد الأمر عن حده، يؤدي به إلى الاكتئاب و الجنون ثم الموت في نهاية الأمر.
بعض الأشخاص يتحملون الحرمان من النوم أكثر من غيرهم، و لكن المغامرات المسجلة كأرقام قياسية للبقاء من دون نوم أدت في أغلبها إلى هلوسة أصحابها في النهاية.
ثلث حياتنا نقضيه في النوم:
يقضي الإنسان ثلث حياته في النوم، و هذا يعني أن إنسانا عمره 60 عاما يكون قد أمضى في المتوسط 20 عاما من عمره في النوم، لكن الحاجة للنوم تختلف من شخص لآخر و ترتبط بمراحل العمر المختلفة.
الأشخاص البالغون ينامون 7 أو 8 ساعات في الليل، و لكن هناك أشخاصا تتراوح نسبتهم 10 و 15 في المئة، يحتاجون إلى 9 ساعات أو أكثر من النوم، و بالمقابل هناك نسبة 5 في المئة يكتفون ب 6 و أحيانا 4 ساعات من النوم، كي يكونوا في كامل لياقتهم و نشاطهم طوال اليوم، و كمثال للفئة الأولى نذكر العالم الشهير "ألبرت أينشتاين" الذي كان ينام 10 ساعات يوميا، أما "نابوليون بونابارت" و "فيكتور هوغو" فكانا من الفئة الثانية.
كثرة النوم أو قلته ترتبط بعوامل وراثية ينقلها الآباء إلى أبنائهم، كما ترتبط بنمط أو نوع الحياة التي يعيشها الفرد، و عموما كلما زاد العمل و الجهد كانت الحاجة إلى النوم أكبر.
ساعتنا البيولوجية:
هناك في أجسامنا ما يشبه ساعة بيولوجية داخلية تتحكم بها و تنظمها عاداتنا اليومية، و ترتبط أيضا بتوالي الليل و النهار، و من هنا مثلا يعتاد الفرد على النوم و الاستيقاظ في ميعاد محدد. فالإنسان يخلد إلى النوم ليلا بحكم العادة، فيشعر بالنعاس، و تنخفض حرارة جسمه، و يصعب عليه البقاء يقظا، و إذا اضطر لسفر طويل، فإنه يحتاج إلى فترة كي يبرمج جسمه و موعد نومه، ليتكيف مع فارق التوقيت، لذلك فإن هذه الساعة الداخلية تكون مضبوطة وفقا لنمط حياة كل فرد، و نشاطه اليومي و موعد راحته و نومه، و كل إنسان يداعب النعاس أجفانه و يحل موعد نومه في الساعة التي اعتاد فيها التوجه إلى فراشه، سواء كان ذلك باكرا أو بعد طول سهر.
لكل مرحلة من العمر حاجتها إلى النوم:
الحاجة إلى النوم ليست متساوية لدى جميع الأعمار، و تتباين تبعا لمراحل العمر، فالطفل الوليد ينام 16 ساعة في اليوم، بينما يحتاج الصغار إلى ما بين 10 و 12 ساعة من النوم يوميا، المراهقون بدورهم بحاجة إلى النوم جيدا، لأن هذه المرحلة من العمر ترافقها تغيرات جسمانية هامة، أما البالغون فينامون في المتوسط ما بين 7 و 8 ساعات، و لكن الحاجة إلى النوم تقل بشكل عام بعد بلوغ الخمسين، حيث يصبح النوم متقطعا.
كيف ننام جيدا؟
- العشاء الدسم، و في وقت متأخر، لا يساعد على النوم الجيد، خصوصا إذا علمنا أن عملية الهضم تحصل بعد ساعتين من الطعام من تناول الطعام.
- يستحسن أن تكون غرفة النوم معتدلة الحرارة، لأن الدفء الزائد يمنع النوم المريح.
- الإحساس بالراحة و الأمان يمنحك نوما مريحا، ففي الطبيعة تنام الحيوانات آكلة الأعشاب أقل من الحيوانات المفترسة، لأن خوفها من الخطى، يجعلها أكثر تيقظا.
- النوم يتكون من دورات أو مراحل متتالية، فإذا ذهبنا إلى فراشنا بعد موعد بداية إحدى هذه الدورات، لن نستسلم للنوم إلا بعدما يحين أوان الدورة التالية، و لذا فمن الضروري تنظيم مواعيد النوم.
مشاكل النوم:
- الأرق: هو أبرز مشاكل أو أمراض النوم و أكثرها انتشارا، لأن النائم يجد صعوبة كبيرة في الاستسلام للنوم. قد تكون حالة الأرق مؤقتة أو عابرة، مرتبطة بأزمة صحية أو نفسية أو إحساس بالألم، أو نتيجة تغيير هام يطرأ على حياة الشخص، و قد يكون حالة مزمنة، يزيدها حدة تعاطي الأقراص المنومة.
- الشخير: يكون نتيجة ضيق في مجاري التنفس، يمنع الانسياب بسهولة إلى الرئتين، و هو ينتشر بين الرجال أكثر من النساء. الأشخاص المصابون بشخير مزمن يكونون معرضين للإصابة بأمراض القلب، لأن دمهم لا يحصل على القدر الكافي من الأكسجين خلال الليل. يمكن معالجة هذه المشكلة بالجراحة أو الليزر.
- المشي أثناء النوم: لا يعتبر حالة مرضية، و يحدث خلال النوم العميق، و لا علاقة له بالأحلام، يغادر النائم سريره و قد يقوم بأشياء يعجز عنها لو كان يقظا و في كامل وعيه، و عندما يستيقظ لا يتذكر شيئا مما حصل معه. هذه الحالة تظهر غالبا خلال مرحلة معينة من العمر، ما بين الخامسة و الثانية عشرة، و تختفي في سن المراهقة، و تصيب الصبيان و نادرا ما تظهر لدى البنات، و يحذر الأطباء من إيقاظ من تنتابهم هذه الظاهرة.
- مرض النوم: هو مرض خطير و قاتل يصيب الملايين في إفريقيا، تسببه ذبابة "التسي تسي"، هذه الذبابة تنقل طفيليات خطرة تتكاثر في الدم و تهاجم الجسم، ثم الجهاز العصبي في المرحلة الأخيرة التي تؤدي إلى الإنهاك و الانهيار فالموت.
نوما هنيئا:
- القيلولة مفيدة لاستعادة النشاط و اللياقة، شرط ألا تطول أكثر من اللازم، لأن فترة النوم خلالها ستحرم من فترة موازية لها ليلا، و كان العبقري "ليوناردو دا فنشي" يكتفي بربع ساعة من النوم نهارا كي يبقى في أفضل حالاته الذهنية و البدنية.
- خلق الله النهار و جعله للسعي و العمل، و الليل للسكون و الراحة و النوم، لذلك فإن العميل الليلي الذائم، رغم ضرورته في بعض المجالات الحيوية، قد يردي أحيانا إلى تراكم التعب، و بالتالي انخفاض القدرة على اليقظة و التركيز، و لا ننسى على سبيل المثال أن كارثة "تشرنوبيل" و ما أسفرت عنه حصلت خلال الليل نتيجة خطإ بشري.
- هرمون النمو يصنع الجسم أساسا عندما نكون مستغرقين في نوم عميق، و هو الهرمون الذي يجعلنا ننمو و نكبر خلال سنوات الطفولة و المراهقة، و خلال النوم العميق أيضا تتم التفاعلات الكيميائية في خلايانا العصبية التي تعمل على نمو شعرنا و أظافرنا.
رحلة ليلية مدهشة إلى عالم النوم و الأحلام:
يقسم العلماء ساعات النوم ليلا إلى أربع دورات أو مراحل، يستغرق كل منها ساعة و نصف أو ساعتين، و في كل مرحلة هناك درجات تتفاوت بين النوم الخفيف و النوم العميق، و النوم الذي تحدث فيه الأحلام، و يشكل الجزء الأخير من كل دورة من دورات النوم.
خلال النوم الخفيف يبقى إحساسنا بما حولنا موجودا، فنسمع رنين الهاتف مثلا و يمكننا الرد على المكالمة لأن دماغنا لا يزال قادرا على اليقظة الفورية، و يشكل النوم الخفيف قرابة نصف الوقت الذي نمضيه ليلا في النوم.
أما خلال النوم العميق، فلا نشعر بأي شيء أو نسمع شيئا، وإذا أراد أحد إيقاظنا فعليه أن يهزنا بعنف كي نفتح أعيننا، و خلال النوم العميق تتباطأ الموجات الكهربائية الصادرة عن المخ و يقل عدد نبضات القلب، و يشكل النوم العميق حوالي ربع الوقت الذي نقضيه ليلا في النوم، أي في حدود ساعتين لكل 8 ساعات نوم. و يأتي النوم العميق أساسا في بدايات الليل، و يخف حتى ينعدم تماما في أواخر الليل.
هذا النوع من النوم لا غنى عنه أبدا، لأنه الفترة التي يستريح خلالها الجسم و يسترد كامل نشاطه، بعد نهار حافل بالحركة و العمل، و يصبح خلالها و كأنه مشلول، بينما يشهد الدماغ نشاطا مكثفا، و تدور حدقتا العين في محجريهما بسرعة خلال الحلم، و يختم نوم الأحلام كل دورة أو مرحلة من مراحل النوم، و تطول مدته أكثر فأكثر بمرور
الليل.
بعض الأحلام يتذكرها النائم عندما يستيقظ صباحا، و لكن الكثير منها ينساها تماما. و يختتم ليلته بفترة طويلة من الأحلام، تليها فترة من النوم الخفيف قبل أن يفتح عينيه صباحا ليبدأ نهارا جديدا.
أحلام الطفل الوليد ثلاثة أضعاف أحلام الكبار:
يمثل النوم الذي تصاحبه الأحلام 60 في المئة من الوقت الذي يقضيه الطفل الرضيع في النوم، و لكن هذه النسبة تنخفض ابتداء من سن 12 لتصبح 20 في المئة فقط من ساعات النوم. و كما سبق الذكر، فإن نوم الأحلام يراقفه نشاط مكثف في الدماغ، يفوق نشاطه في ساعات اليقظة، و من هنا يميل بعض العلماء إلى الاعتقاد بأن نوم الأحلام يساعد
على فرز و حفظ و تذكر الأشياء التي نتعلمها أثناء النهار، و لذلك فهو يشكل لدى الأطفال ثلاثة أضعاف نسبته لدى الكبار، لأنهم ما زالوا في المرحلة التأسيسية من حياتهم من حيث التلقي و التعلم.
عندما يكون الطفل الوليد مستغرقا في أحلامه، تترجم تعبيرات وجهه كل المشاعر التي يحس بها أو يمر بها الإنسان البالغ، رغم أن الطفل في هذه السن المبكرة يكون غير قادر بعد على إظهار هذه التعبيرات على وجهه عندما يكون مستيقظا.
أحلامنا ماذا تقول لنا؟
حاول الإنسان دائما أن يفهم أحلامه التي طالما كانت تبهره و تثير تساؤلاته، ليفك رموزها و يفهم أسرارها، فالأحلام ليست فقط مجرد استعادة لشريط الأحداث اليومية، و إنما تتخذ أحيانا شكل الرمز الذي لا ندرك معانيه. الحلم أيضا متنفس أو مخرج لما يختزنه عقلنا الباطن أو اللاوعي، من تجارب و رغبات دفينة في أعماق نفوسنا، لا تجد لها سبيلا للانطلاق بحرية و التعبير عن نفسها بلا قيود، إلا عندما تأخذنا الأحلام إلى عالمها المدهش المليء بالرموز و الصور المموهة، و لذا تعتبر الأحلام من المؤشرات التي تترجم شخصيتنا، و تدل عليها، و تبرزها على حقيقتها.
في مطلع القرن العشرين، و بالتحديد عام 1900م، نشر الطبيب النمساوي "سيغموند فرود" في فيينا كتابا أحدث ضجة كبيرة في الأوساط المهتمة بعلم النفس، هذا الكتاب حمل عنوان "تفسير الأحلام"، و يشكل جزءا هاما من نظريته حول التحليل النفسي للشخصية البشرية، و يساعد على فهم ما يجول في أعماقها.
البداية كانت حلما:
- فكرة ماكينة الخياطة و إبرتها المثقوبة من أسفل جاءت إثر حلم رآه المخترع الأمريكي "إلياس هاو".
- المعادلة الكيميائية لتركيبة البنزين اكتشفها الكيميائي الألماني "فريدريك أوغست كيكول" في المنام عام 1865م بعد أن استحوذت على فكره.
- بعض المقطوعات الكلاسيكية استلهمها الموسيقاران "موزار" و "فاغنر" من الحلم قبل تأليفها.
- رواية "دكتور جيكل و مستر هايد" تخيلها الكاتب الإنجليزي "روبرت ستيفنسون" في المنام قبل كتابتها.
- الكاتبان الكبيران "فيكتور هيغو" و "شارلز ديكنز" تحولت بعض أحلامهما إلى روايات.
- إحدى أشهر لوحات الرسام السريالي "سلفادور دالي" رآها في المنام قبل أن يعمد إلى رسمها.
- هناك العديد و العديد من الأحلام المشابهة، اقتصرت على بعض الأمثلة فقط
حكاية أشهر حلم في التاريخ:
من أشهر الأحلام في التاريخ، و التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، الرؤيا التي رآها فرعون مصر، و كان تفسيرها سببا في إنقاذ مملكته من خطر المجاعة بسبب قحط أصابها. رأى ملك مصر في منامه سبع بقرات ضعاف نحاف يأكلن سبع بقرات سمان، كما رأى سبع سنبلات خضر و سبعا يابسات، فلما استيقظ من نومه تعجب لهذه الرؤيا، و جمع الكهنة و الوزراء و الأمراء، و طلب منهم تفسيرا لما رآه في نومه، و لكنهم عجزوا عن ذلك و حاولوا التخفيف عنه. تذكر ساقي الملك الذي كان سجينا من قبل مع سيدنا يوسف عليه السلام أنه ذو قدرة على تفسير الرؤى، فذهب إليه في سجنه و قص عليه الرؤيا. فسرها يوسف عليه السلام قائلا: سوف تزرعون سبع سنوات متتالية يأتيكم فيها الخير الكثير بما يرسله الله إليكم من مطر، و هذا هو معنى البقرات السمان، لذا يجب أن تتركوا الباقي للسنوات السبع في سنابلها كيلا تتلف، و لا تأخذوا منها إلا بقدر حاجتكم، و تتركوا الباقي للسنوات السبع الأخرى المجدبة التي ستستهلكون فيها كل ما خزنتم، ثم يعقب السبع سنوات المجدبة عام رضا و خير. تحقق ما قاله سيدنا يوسف عليه السلام، و خرج من سجنه بعد أن ثبتت براءته من التهمة المنسوبة إليه، و اتخذه الملك وزيرا له.
يتبع...
مع تحيات The King Zaki
عدل سابقا من قبل في الأربعاء 09 مايو 2007, 16:35 عدل 1 مرات