أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري: شاعر إسلامي معروف، ولد عام 363هـ(979م) في معرة النعمان، وهي بليدة في شمال الشام بين حلب وحمص. وينتسب إلى أسرة عربية محترمة تزعم أنها انحدرت من قبيلة تنوخ التي استقرت منذ القدم في هذا الإقليم. وقد ولى جده القضاء ويظهر أن أباه كان على شيء من العلم. ولم يكد أبو العلاء يبلغ الرابعة من عمره حتى أصابه الجدري فأفقده عينيه. ويحق لنا أن ندهش من حافظته العجيبة التي مكنته – رغم ذلك النقص الخلقي – من أن يظهر في مؤلفاته هذا التنوع وتلك الدراية الواسعة بالعلوم التي قل أن نجد لها نظيراً عند غيره. وقضى شبابه في عصر مضطرب، فقد كان الحمدانيون يحكمون شمال الشام في ذلك العهد حكماً مزعزعاً لوقوعهم بين الفاطميين الذين كانوا يتقدمون من الجنوب، وبين الروم الذين كانوا يتقدمون من الشمال. ومع ذلك لم تكن هذه الظروف غير ملائمة للأدب. ومع أن عصر سيف الدولة الزاهر كان قد انقضى، فإن النهضة التي بدأها ذلك الأمير لم تكن قد فقدت قوتها بعد، وكانت شهرة الشام الأدبية عظيمة في ذلك الوقت، كما بين ذلك الثعالبي الذي عاصر أبا العلاء (انظر مقدمة مرجليوث، "رسائل أبي العلاء"، ص 16). ودرس أبو العلاء في حلب وطرابلس وأنطالية على تلاميذ النحوي ابن خالوية وغيرهم من علماء الشام. ويظهر أنه كان يتجه بدراساته إلى احتراف المديح كالمتنبي مثلاً، وقد وصلت إلينا بعض مدائحه في سعد الدولة الحمداني، ولكنه كان دائماً سباقاً إلى رفض كل دعوة إلى ذلك مهما كان فيها من مغنم خشية أن تنزل بكبريائه وطبيعته الحساسة إلى المهانة التي لا تحتمل. فقد قال في مقدمة سقط الزند "لم أطرق مسامع الرؤساء بالنشيد ولا مدحت طلباً للثواب".
وكان يعيش عند عودته إلى المعرة من معاش سنوي قدره ثلاثون ديناراً تدفع له من مال محبوس، ومن المحتمل أنه كان يعيش كذلك من الأجور التي كان يدفعها بعض الطلاب الذين اجتذبتهم شهرته الفائقة. ويدل على ما كان له في مسقط رأسه من مكانة انتخاب مواطنيه له للرد على رسالة وجهها إليهم السياسي والمؤلف المعروف أبو القاسم بن علي المغربي. وظل أبو العلاء في المعرة إلى عام 401هـ(1010م) حتى رغب – لأسباب مجهولة – أن يعيش في شبابه بقيود الحياة الريفية وينزع إلى ميدان أوسع تقدر فيه مواهبه، ولذلك ذهب إلى العاصمة، ولكنه قفل راجعاً بعد عام وسبعة أشهر إلى موطنه. ويقول أبو العلاء نفسه إن مرض أمه وحاجته إلى المال هما السببان اللذان دفعاه إلى العودة. ولكن يظهر أن السبب الأخير بعيد الاحتمال لأن له أصدقاء ذوي نفوذ يمدون له يد المعونة إذا احتاج الأمر إلى ذلك.
وقد أفسدت في نفس الوقت بعض الحوادث النابية استقباله الرائع الذي بلغ إلى حد التملق. أضف إلى ذلك أن رفض الشاعر التكسب بالشعر وقف حائلاً بينه وبين تحقيق أطماعه. كما أن إهانة المرتضى – وهو أخو الشاعر المعروف الشريف الرضى – لأبي العلاء دفعته آخر الأمر إلى مغادرة المدينة (مرجليوث "رسائل أبي العلاء"، ص 27 وما بعدها). وتدل زيارته لبغداد على مرحلة دقيقة في حياة الشاعر. وكان أبو العلاء إلى ذلك الوقت قد عرف بأنه عالم متبحر وشاعر مطبوع متأثر بأسلوب المتنبي الذي كان يكن له الإعجاب الكثير. ولم تظهر موهبته الفريدة إلا في كتبه المتأخرة التي كتبها بعد عودته إلى المعرة: "اللزوميات" و"رسالة الغفران". ولا نستطيع أن نشك أنه أشرب في بغداد كثيراً من الآراء والتأملات الجريئة التي يتميز بها هذان الكتابان. أما ما يؤكده البعض من أنه حضر دروس قادة العلماء في عصره فهو مخالف لما قاله بنفسه في خطاب أرسله إلى عمه يخبره فيه أنه وصل إلى المعرة قادماً من بغداد، وأنه بعد الشعرين من عمره لم يفكر في أن يأخذ العلم على واحد من أهل العراق أو الشام. وما كاد يصل إلى بلده حتى بلغه نعي والدته؛ وقد أثر فيه هذا الحادث تأثيراً بليغاً وشجعه على تنفيذ عزمه على اعتزال الناس. ويقال إنه عاش منذ ذلك الحين في كهف عود نفسه فيه على التقشف: لا يأكل لحم الحيوان بل ولا يتناول البيض واللبن. ويشير اللقب الذي كان يطلق عليه أحياناً وهو "رهن المحبسين" إلى عزلته وعماه، مع أنه لم يمكن قط من أن يعيش في عزلة. وقد وجد أبو العلاء في المعرة مافاته في بغداد من الشهرة والمال. ووفد عليه الطلاب من الجهات البعيدة ليقرءوا عليه، وتدل الرسائل التي نشرها مرجليوث على أنه كان دائم التراسل مع العلماء الذين كانوا يرغبون في الإفادة من علمه. ويذكر الرحالة والشاعر الفارسي ناصر خسرو الذي زار المعرة عام 439هـ(1047م) أي قبل وفاة أبي العلاء بأحد عشر عاماً، أنه كانت له سلطة مطلقة في المدينة، كما كان له مال وفير وزعه على الفقراء، بينما عاش عيشة الشظف شأن الأولياء. وأمضى أبو العلاء حوالى أربعين عاماً في عزلة ولكنه لم يخمل فيها، نعرف ذلك من قائمة مصنفاته الكثيرة التي ألف معظمها خلال هذه المدة. وتوفى أبو العلاء عام 449هـ(1058م).
وكان يعيش عند عودته إلى المعرة من معاش سنوي قدره ثلاثون ديناراً تدفع له من مال محبوس، ومن المحتمل أنه كان يعيش كذلك من الأجور التي كان يدفعها بعض الطلاب الذين اجتذبتهم شهرته الفائقة. ويدل على ما كان له في مسقط رأسه من مكانة انتخاب مواطنيه له للرد على رسالة وجهها إليهم السياسي والمؤلف المعروف أبو القاسم بن علي المغربي. وظل أبو العلاء في المعرة إلى عام 401هـ(1010م) حتى رغب – لأسباب مجهولة – أن يعيش في شبابه بقيود الحياة الريفية وينزع إلى ميدان أوسع تقدر فيه مواهبه، ولذلك ذهب إلى العاصمة، ولكنه قفل راجعاً بعد عام وسبعة أشهر إلى موطنه. ويقول أبو العلاء نفسه إن مرض أمه وحاجته إلى المال هما السببان اللذان دفعاه إلى العودة. ولكن يظهر أن السبب الأخير بعيد الاحتمال لأن له أصدقاء ذوي نفوذ يمدون له يد المعونة إذا احتاج الأمر إلى ذلك.
وقد أفسدت في نفس الوقت بعض الحوادث النابية استقباله الرائع الذي بلغ إلى حد التملق. أضف إلى ذلك أن رفض الشاعر التكسب بالشعر وقف حائلاً بينه وبين تحقيق أطماعه. كما أن إهانة المرتضى – وهو أخو الشاعر المعروف الشريف الرضى – لأبي العلاء دفعته آخر الأمر إلى مغادرة المدينة (مرجليوث "رسائل أبي العلاء"، ص 27 وما بعدها). وتدل زيارته لبغداد على مرحلة دقيقة في حياة الشاعر. وكان أبو العلاء إلى ذلك الوقت قد عرف بأنه عالم متبحر وشاعر مطبوع متأثر بأسلوب المتنبي الذي كان يكن له الإعجاب الكثير. ولم تظهر موهبته الفريدة إلا في كتبه المتأخرة التي كتبها بعد عودته إلى المعرة: "اللزوميات" و"رسالة الغفران". ولا نستطيع أن نشك أنه أشرب في بغداد كثيراً من الآراء والتأملات الجريئة التي يتميز بها هذان الكتابان. أما ما يؤكده البعض من أنه حضر دروس قادة العلماء في عصره فهو مخالف لما قاله بنفسه في خطاب أرسله إلى عمه يخبره فيه أنه وصل إلى المعرة قادماً من بغداد، وأنه بعد الشعرين من عمره لم يفكر في أن يأخذ العلم على واحد من أهل العراق أو الشام. وما كاد يصل إلى بلده حتى بلغه نعي والدته؛ وقد أثر فيه هذا الحادث تأثيراً بليغاً وشجعه على تنفيذ عزمه على اعتزال الناس. ويقال إنه عاش منذ ذلك الحين في كهف عود نفسه فيه على التقشف: لا يأكل لحم الحيوان بل ولا يتناول البيض واللبن. ويشير اللقب الذي كان يطلق عليه أحياناً وهو "رهن المحبسين" إلى عزلته وعماه، مع أنه لم يمكن قط من أن يعيش في عزلة. وقد وجد أبو العلاء في المعرة مافاته في بغداد من الشهرة والمال. ووفد عليه الطلاب من الجهات البعيدة ليقرءوا عليه، وتدل الرسائل التي نشرها مرجليوث على أنه كان دائم التراسل مع العلماء الذين كانوا يرغبون في الإفادة من علمه. ويذكر الرحالة والشاعر الفارسي ناصر خسرو الذي زار المعرة عام 439هـ(1047م) أي قبل وفاة أبي العلاء بأحد عشر عاماً، أنه كانت له سلطة مطلقة في المدينة، كما كان له مال وفير وزعه على الفقراء، بينما عاش عيشة الشظف شأن الأولياء. وأمضى أبو العلاء حوالى أربعين عاماً في عزلة ولكنه لم يخمل فيها، نعرف ذلك من قائمة مصنفاته الكثيرة التي ألف معظمها خلال هذه المدة. وتوفى أبو العلاء عام 449هـ(1058م).